تراءى الملائكة للرّعاة في بيت لحم ونقلوا إليهم، وإلينا من خلالهم، البُشرى السّارة:"وُلِدَ لَكُمُ اليَوْمَ مُخَلِّص، هُوَ الـمَسِيحُ الرَّبّ"(لو2: 11(.
1-مُخلِّص لا ثائر
لَم يقُل الإنجيل بأنّ الملائكة قالوا للرُّعاة بأنّه قد وُلدَ لكم ثائرٌ، بل مُخلّص. يسوع هو المُخلّص الذي أتى إلى العالم ليُحرِّر الإنسان من الشّر الذي يسكن فيه (فيسكن فيه)، والذي هو في أساس الشّر الذي يَعُمّ العالم بأسره، ويتظهَّر في الأنانيّة والفردانيّة وتكديس الأموال والفحش والإستماتة في الوصول إلى السّلطة على أنواعها، مدنيّة كانت أم دينيّة، وبغضّ النّظر عن الطّريقة، والحروب والإنقسامات والتّشرذم والظلم والإستبداد والموت. أتى يسوع ليُحرّرنا من الشرّ الذي اجتاز إلى جميع النّاس، منذ خطيئة الإنسان الأوّل، "وهكذا عمَّ الموت جميع النّاس لأنهم جميعهم أخطأوا "(روم5: 12).
2-نعمة الله المُخلِّصة
في ظِلال الموت هذه، "ظَهَرَتْ نِعْمَةُ اللهِ الْمُخَلِّصَةُ، لِجَمِيعِ النَّاسِ" (تي 2: 11). إن كلمة "نعمة" في الكتاب المقدس تعني "معونة إلهية غير مستحقة مقدمة للبشر من أجل تجديدهم أو تقديسهم". و"النِّعمة المخلِّصة" هي معونة الله التي تُحرِّر الإنسان من الشّر، والتي ظَهرت في الجَسد في يسوع المسيح ابن الله الوحيد. وهذه النّعمة وُعِدَ بها منذ اللحظة الأولى للسقطة الأولى حيث قال الله لحوّاء الله :" وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ" (تك 3: 15). وحيث تَكثر الخطيئة تَفيض النّعمة، أي تكثُر معونة الله التي لا ترضى بأن يموت الخاطىء بل أن يرجِع عن طريقه السّيئة ليحيا (حز33: 11).
3-من الخارج أم من الدّاخل
أتى يسوع مُخلّصاً لا ثائراً: الثائر هو الغاضب الذي يُدمِّر كلّ ما هو في الخارِج ليُصَحّح الخلل الموجود في الدّاخل. أمّا المُخلّص فهو الذي يعمل على الدّاخل لتصحيحه، فيصُحّ الخارج. لنفتح قلوبنا لهذه النعمة التي ظهرت في الجسد لخلاصِنا، ولنُعَبِّر عن شكرنا لله الذي أراد أن يُشارِكنا في كل شيء، حتى في حياته الإلهيّة، فأخذ ما لنا وأعطانا ما له، ولم يتركنا وحدنا أسرى الخطيئة والموت. ولنردّد مع الملائكة:"المجد لله في العُلى وعلى الأرض السّلام وفي النّاس المسرّة(لو2: 14)، لأنّه قد وُلِد لنا اليوم مُخلّص(لو2: 11) إِلهٌ قَدِيرٌ، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ(أش9: 6). آمين.
وُلِد المسيح، هللويا.